الأربعاء، 4 مارس 2015

ايفان - منزل الجدة



ايفان - منزل الجدة
 


 في بدايات الخريف وعند تساقط الاوراق وتعرّي الطرقات من المارة، كان وحيداً يمشى صديقنا القادم من بطرسبرج ميشكين. فقد عُيّن في هذه القرية النائية التي تبعُد عن سان بطرسبرج 50 فرسخاً , وقد وعد بالعودة إلى المدينة حال أن يمضي في هذه القرية شهرين ...


ولما كان صديقنا في حاجة إلى سكن أرسله الحوذي إلى بيت الجدة ناستاسيا , ترجل وسار حيث وصفه الحوذي ..  .

 
البيت قابع في نهاية القرية بجانب الطريق الذي يمتد الى قرية قريبه ومقبرة من العصر القديم

عندما رأيت البيت الصغير. لنقل الكوخ المتناهي الصغر , ذو شباك صغير وحديقة ذات سياج خشبي هرئ . ظننت أنى أولج الى مخزن شعير. ترددت في الدخول الى الكوخ لنفوري التام من مدخل الكوخ.

بابٌ خشبي مهترئ، صليب من الزجاج وضع دونما عناية وقابل لأن يتكسر ضد اية ضربة قوية
ويد الباب الدائرية وكأنما أُخرجت من قمامة من ضواحي موسكو إذ انها جميلة ومتسخة حد الاشمئزاز , .

تثيرني تلك الاشياء بالاشمئزاز لم اعتد انا ابن بطرسبرج الحديثة الملأ بالمسارح والمكاتب والمقاهي ان ارى كل هذه القذارة دفعةً واحدة.  
طرقت الباب في وقت ما قبل الغروب. ولم يُستجب لطرقي بسرعة تأخروا إلى حين استجابوا للباب، تأملت السماء كان يوماً خريفياً حزيناً من ايام القرى الملأ بالحزن، هذا ما قالته لي صديقتي آجلايا.

- نعم
-عمت مساءا , انا .. إنني ... هل تنادي لي أُمك
-ماما , هناك غريب في الباب يريدك 

غريب ! فعلا إني لأشعر بغرابة فظيعة في هذه القرية ,

- اهلا يا ابني , هل انت مسافر, هل تريد انت تبيت في بيتي الليلة
- نعم , إذ انا ... طبيب ... ليس لمدة طويلة .. إلى حين ان انتقل من هنا ..لقد وعدني الجنرال آردليون بأن ينقلني خلال شهرين .

 اشارت له الجدة ناستاسيا الى الدخول، ولج إلى البيت،
في الصالون يوجد كرسيين وشباك وفي نهاية الدهليز مطبخ وغرفة نوم إلى يسار المطبخ صغيرة بصغر بابها ..

- هنا يا إبني يقع الصالون عادتاً نجتمع فيه في ليالي الشتاء والعواصف، إذ هنا تحدث عواصف في الشتاء بكثرة، وهنا سنُصلح لك سريراً تنام عليه، ويمكنك ان تذهب إلى نهاية القرية , عند النجار إيفانوف وان تطلبه ان يُفصل لك مكتباً صغيراً .

- أين الحمام إذاً ؟
 - في الخارج .. يجب أن تسلك باب المطبخ وان تذهب هناك , يفضل ألا تكثر من شرب الماء والشاي , إذ انه لا يوجد لدينا سوى مصباح واحد . وهو دائما بين الصالون وغرفة النوم.
اه صحيح , ايفان .. تعال وسلِّم على ... يا إلهي نسيت ان اسألك عن اسمك
  -إني ليون ميشكين  

- اسمٌ جميل , لابد أنك من موسكو , هاه ؟

- لا لا , انا من سان بطرسبرج

- اها .. سمعت نيقولافتش يقول . ان بها اكثر من خمس مسارح
نعم قال ذلك , وقال لي ان الناس هناك لا يذهبون كثيراً إلى الكنيسة أصحيحٌ هذا ,, يا للعار
إن الرب ليُحب ان يرى العباد كلهم في كنيسته ايام الاحاد وفي الجنائز.
لماذا لا يذهب الناس إلى هناك , اخبرني , هل انت منهم.؟

-لا لا يا جدة إنني اذهب كل الأحاد إلى الكنيسة, لكن الناس قد ألفوا الكسل في بطرسبرج.
اذ انهم لا يَّفلحون ولا يعملون في المصانع , إنهم فقط سادة .
كلهم جنرالات واصحاب معامل , حتى انهم في بعض الاحتفالات يتفاخرون بأن يقول أحدهم إني املك ألفين روحاً . ويقصدون العمال الذين يعملون عندهم.

- ان الروح هبتُ من الله , كيف لهم ان يمتلكوا أرواحاً ليست لهم ..

قالت الجملة وهي تشُد الكرسي لتُجلس ميشكين .

- تفضل يا عزيزي إجلس .. اعذرني انني عجوز تحب الحديث .. إذ انني اقضي ساعات كثيرة في التحدث إلى العجائز في القرية .. أين انت يا ايفان تعال.

صرخت تنادي إيفان ولكن صوتها كان ضعيفاً رغم ان العروق قد ظهرت من رقبتها ..

كانت تلبس ملابساً ليست بجيدة البتة , واذ ما رأيتها في المدينة لأعطيتها كوبيكاً..

- إيفان صبي صامت , لا ادري لماذا لا يحب ان يقابل الناس , ولا يحب ان يلعب من اقرانه من اهل القرية
انه دائم العُزلة , ولكأنه رجلٌ راشد , هاهاهاها.

في ضحكتها شيء من البساطة , وسنها الفضي يلمع مع الشمس المنكسرة على المرآة التي تتوسط الصالون . الرائحة التي تنبعث من المطبخ تدل أنها كانت تشرب الشاي

عيني تتجول في الغرفة , كيف تستطيع الغرفة ان تكون للنوم وللمكتبة وتناول الطعام واستقبال الضيوف !! .

- لا بد انك متعب , حسناً اذا اردت ان تذهب إلى الحمام إذهب قبل  ان تنام , سأُخضر لك العشاء ..
هذا اليوم اعتبره ضيافتاً مني , بعد ذلك عليك ان تدفع لي 30 كوبيكاً للنوم والطعام .
ايها الصبي .. تعال حالاً .. يجب ان تتعرف عليه , انه صبيٌ هادئ ليس ككل الصبيان ..
توفيت والدته و والده حين كانا ذاهبين إلى المدينة حيث أٌصيبت ابنتي بالحمى  .. وذهب بها زوجها قسطنطين الى المدينة في عاصفة من عواصف الشتاء القارس .. نصحتهما ان يأجلان الذهاب إلى ان تنتهي , لكن قسطنطين اصّر على الذهاب في الحال .. كان يحب إبنتي نينا” رحمها الله
لقد كانا خير زوجين , وجدوهما بعد انتهاء العاصفة وقد تجمدا تحت شجرة وهما متعانقين وبجانبهما الحمار .
تتكلم والدموع في عينيها , وتشردُ وتحرك يديها وكأنها ترسُم شيئاً ما في الهواء.

في تلك اللحظة دخل إيفان .
- اهلاً يا صغيري , أين كنت
قالتها وهي تجفف عينيها بكم سترتها.
- أشار إيفان بيده إلى المطبخ
- صبيٌ طيب , كيف حالك إيفان, هل تحب ان تحدثني عن المدرسة ؟
- لا لا أريد , أمي هل سينام ميشكين هنا , بجانب الشباك ؟
- نعم يا إبني , إنه طبيب ولسوف يسره ان يساعدك في دروسك
- مامااا, لكم قُلت لكي إني لا احب الذهاب إلى المدرسة
-لماذا يا إيفان , الأطفال في المدينة يعدون الأيام عداً إلى ان تُفتح المدرسة .
في المدرسة يمكنك ان تذهب الى موسكو وان تشاهد مسرحية مضحكة ..






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق